المقدمة:
تُعدّ المناولة المينائية في تونس عنصرًا حاسمًا في حركة التجارة الخارجية وتنشيط الاقتصاد الوطني. ومع تزايد الطلب على النقل البحري وتطور سلاسل الإمداد العالمية، أصبحت الحاجة إلى تطوير منظومة المناولة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. تعاني الموانئ التونسية من عدة اختلالات تؤثر على الكفاءة والتنافسية، لكن في المقابل، هناك فرص حقيقية يمكن استغلالها عبر التحول الرقمي، تحسين الحوكمة، وتبني نظم تشغيل ذكية.
1. واقع المناولة في الموانئ التونسية:
رغم الموقع الاستراتيجي المتميز للموانئ التونسية، وعلى رأسها ميناء رادس، إلا أن منظومة المناولة ما تزال تواجه صعوبات متكررة، منها:
- ضعف التجهيزات في الأرصفة وساحات التخزين.
- نسب دوران منخفضة للحاويات (dwell time مرتفع).
- تكدّس البضائع بسبب بطء السحب والتخليص.
- اختلاط الحاويات الفارغة بالممتلئة.
- ضعف الربط بين الأنظمة المعلوماتية للموانئ والديوانة.
كل هذه العوامل تؤدي إلى تأخير العمليات، رفع التكاليف، ونفور بعض الفاعلين الدوليين من استعمال الموانئ التونسية كنقطة عبور.
2. أهمية المناولة في تحسين موقع تونس اللوجستي:
المناولة لا تمثل مجرد عملية فنية داخل الميناء، بل هي عنصر جوهري في كل سلسلة القيمة:
- تُمكّن من تقليص زمن التوريد والتصدير.
- تخفّض الكلفة اللوجستية الوطنية.
- تعزّز ثقة المتعاملين الأجانب.
- تُساهم في تحسين ترتيب تونس في مؤشرات الأداء اللوجستي العالمي.
ومع بروز تونس كمركز محتمل يربط أوروبا بإفريقيا، تصبح المناولة المينائية أداة استراتيجية في رسم مستقبل البلاد الاقتصادي.
3. التحديات الحالية:
التحديات لا تقتصر فقط على المعدات، بل تمتد إلى الجانب التنظيمي والتشغيلي:
- ضعف الصيانة وندرة قطع الغيار.
- هشاشة التواصل بين مختلف الأطراف المتدخلة (STAM، الديوانة، الشركات البحرية، شركات النقل).
- غياب التحفيز الإنتاجي للعاملين.
- التداخل بين المهام وعدم وضوح المسؤوليات.
- تعريفة مينائية منخفضة لا تواكب حجم الطلب وكلفة التشغيل.
4. حلول تقنية وتنظيمية ممكنة:
أ. رقمنة منظومة المناولة:
- اعتماد نظام تشغيل TOS حديث (مثل NAVIS) لربط كل العمليات لحظيًا.
- استعمال تطبيقات لحجز مواعيد رفع البضائع وتفادي الطوابير.
- تتبع الحاويات عبر QR Code و RFID.
ب. إعادة تصميم الفضاءات:
- فصل مسارات الشاحنات عن مناطق المناولة.
- تخصيص ساحات منفصلة للحاويات الفارغة والممتلئة.
- تجهيز مواقف انتظار ذكية ومؤقتة.
ج. تحسين الحوكمة:
- توحيد القيادة التشغيلية داخل الميناء.
- إنشاء وحدة تخطيط وتنسيق بين جميع المتدخلين.
- ربط الأداء بالنتائج (KPIs) وليس بالتراتبية الإدارية.
د. الاستثمار في التكوين:
- برامج تكوين مستمر في تقنيات المناولة.
- دورات تدريبية في أنظمة المعلومات والرقمنة.
- تثمين الكفاءات الشابة وإدماجهم ضمن هيكلة حديثة.
5. أهمية إصلاح التسعيرة:
التعريفة المينائية في تونس ما تزال متدنية مقارنة بدول الجوار، وهو ما:
- يشجع التخزين داخل الميناء بدل السحب السريع.
- لا يغطي التكاليف الحقيقية لتشغيل المعدات.
- يعرقل الاستثمار في المعدات والتقنيات.
لذلك، فإن تعديل التعريفة وفق مقاربة ذكية (تخفيض للتصرف السريع، وزيادة تدريجية للتأخير) هو ضرورة لإعادة الانضباط وتحفيز الفاعلية.
6. رؤية مينائية تونسية 2030 – 2050:
- موانئ ذكية تعتمد على البيانات في اتخاذ القرار.
- صفر طوابير أمام الميناء.
- تكامل بين النقل البحري والبري والسككي.
- منظومة حوكمة شفافة ونتائجية.
- إشعاع إقليمي في اللوجستيك البحري نحو إفريقيا.
خاتمة:
المناولة المينائية في تونس تُعد من أهم المفاتيح لتحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد الوطني. تطوير هذه المنظومة يتطلب إرادة سياسية، إصلاحات عملية، ورؤية استراتيجية تستثمر في الذكاء الرقمي والبشري. منصة acconage.com تواكب هذا التحول، وتوفّر محتوى متخصصًا، تحليلات، وخدمات للمساهمة في تطوير الموانئ التونسية.